خسرت منصبي طباعة

ولدت عام 1973 لعائلة حالتها المادية متوسطة. وبسب الاوضاع التي عشاناها كان يؤرقني كثيرا التفكير "بانني ولدت فقيراً وسأموت فقيرا" ولكن سرعان ما كنت ارفض هذا الفكر، معلنا لنفسي انني سأنجح في حياتي وسأصير غنياً. لقد كان ابي يعمل كحارس في ساعات الليل فلم اكن اراه كثيرا. لقد كنت شاباً ذكياً ومتفوقاً في المدرسة، ورغم ذلك الا أنني كنت ايضا اتشاجر كثيراً وكلمات السب والشتيمة واللعنة لا تفارق فمي.

لم اكن قد تجاوزت السادسة عشرة من عمري حينما تغيرت حياتي. اذكر ذلك اليوم جيداً فكيف لي ان انساه...!؟ لقد اصبحتُ انساناً اخر...

ما زلت اسمع تلك الجملة "الله يسامحك" التي كان يكررها اخي كلما حاولت ان أتشاجر معه. لقد كانت تلك الكلمتين بداية طريقي في البحث عن ذاك الذي يستطيع يغير الانسان.  فمن هو هذا الاله الذي قد حول أخي لشخص أخر.!؟ لم اكن اعرفه سابقاً.

قبلت دعوة اخي لحضور الاجتماع بعد رفضي للكثير من محاولاته معي. اذكر انه كان اجتماع خاص فيه كان بعض الاخوة والاخوات يشهدون عن عمل الله في حياتهم، وتحدثوا عن البركة التي قد نالوها من الرب يسوع وعن مقاومة ابليس لهم وانتصارهم بمعونة الله عليه. اذكر ايضا انه توجهت الي سيدة بعد انتهاء الاجتماع ودار حديثا طويلا عن الايمان، ولكن علامات اليأس سرعان ما وبنهاية حديثنا والمجادلة  نظرت الي هذه السيدة بنظرات الحسرة واليأس على حالي وقالت لي  "الى اين انت ذاهب ايها الانسان ؟"

مرت بضعة اسابيع, كنت مستلقياً على فراشي اخطط مستقبلي. لقد خططت ان انهي دراستي الثانوية بنجاح ثم اتعلم في المعهد التكنولوجي، وابدأ العمل. واجمع النقود ثم اتزوج واكوّن عائلة، ثم انشىء شركة او مصنع فاربح الكثير من المال. أو ربما اسافر الى الخارج وابدأ حياة جديدة. أفكار وراء أفكار، خطط تعقبها خطط، سنوات تطويها سنوات، انفجار من الافكار  وفجأة تذكرت قول تلك السيدة " الى أين أنت ذاهب أيها الانسان.!؟

رن صدى هذا القول، الذي هز كياني، وتسألت إذاً ماذا ينتظرني بعد الموت؟ الى أين المصير؟ حتى ولو عشت مئة سنة وحققت ما تمنيته.! فماذا صنعت لأبديتي التي لا تنتهي..!؟

فاحسست بلهفة وشغف أن ابحث عن الحقيقة.!

توجهت الى الاجتماع واذ بالواعظ يتكلم عن محبة الله لنا. لقد فوُجٍِئتُ من تلك الكلمة لاني لم اعلم عن محبة الله او ادرك أن الله محبة ويحبنا نحن البشر؟  لقد كنت اعلم ان الله يعاقب الانسان على الخطية فالدينونة ومصير ينتظرنا ألا وهو الجحيم. بعد انتهاء الاجتماع توجه الىّ القس وسألني اذا كنت ارغب بأن اسلم حياتي للرب فأجبت نعم اريد.! فصلى معي صلاة قصيرة. ابتدأت الدموع تنذرف بغزارة من عينيي لقد لمسني الرب فأحسست بمحبته لي لاول مرة. لا أنسى تلك اللحظة التي قد غيرت حياتي تماماً.!  انها اجمل لحظة في حياتي. لا اجد اي وصف يستطيع ان يصف ذاك الشعور. فاض قلبي بالشكر والعرفان لما فعله السيد المسيح من أجلي على الصليب، عندما مات دافعاً اجرة خطيتي، ليهب لي حياة ابدية.

باركني الرب فتحقق حلمي فانهيت دراستي الجامعية بدرجة امتياز، وأنعم علىّ  فتزوجت من كارولين التي دائما تشجعنى. وأثمر زواجنا بولادة انجلينا وكريستيان.

ابتدأت العمل في شركة امريكية وانتقلت مع زوجتي لفترة قصيرة للعمل في خارج البلاد ومن ثم انتقلت لاعمل في شركة اخرى كمدير قسم الدعم الفني. وبعدها تقدمت في مكان عملي لأصبح مدير التسويق. وبعدها كمدير تطويرالعمل حتى وصلت اعلى المناصب في الشركة. لقد حصلت على افضل شروط العمل التي قد يتمناها أي انسان. تقدمي هذا قد جعلني اثق بنفسي اكثر فقد حسبت نفسي انني استطيع ان اعمل كل شيء لوحدي، ولست بحاجة لمشورة أحد. وهذا قادني الى أن أترك عملي واقيم شركة خاصة بي .

لقد كانت تلك الايام اتعس أيام حياتي فلم أنجح في انجاز أي مشروع. وصار الفشل يطرق أبواب حياتي حتى خسرت جميع اموالي في أقل من تسعة أشهر منذ أن شرعت في بناء الشركة. ولم اعد أمتلك شيء تقريبا. لقد تدمرت حياتي وحياة عائلتي. يا إلهي "ماذا يحدث لي لا اصدق ؟" هكذا كنت في حالة من الذعر والاستغراب.! فانا لم اقبل الفشل بتاتا في حياتي فانا انسان ناجح فكيف لي ان اخسر كل شيء.!؟

لا أنسى تلك اللحظة عندما فتحت الثلاجة واذ بها فارغة تقريباً ففكرت في نفسي ماذا قد صنعت خطأ؟ وقفت مذهولاً وايقنت أن المبارة قد أوشكت على الانتهاء، وأنه المشهد الأخير من مسرحية الكبرياء. ففي تلك اللحظة رفعت قلبي الى الله وصرخت: "لماذا يا رب ؟" واذ بي اسمع صوته يقول لي:" يا ابني, كل هذا كان لانك لم تعطني مجداً! فقد رفعتك ووهبتك خيرات كثيرة ليتحقق حلمك ولانك قد تكبرت فظننت انك كلي الفهم والمعرفة ولست بحاجة لأحد." هذا الصوت هز كياني فركعت واعترفت بخطيتي وطلبت منه الغفران.

وتدخل الله واذ بصديق قديم لي يتصل بي ويعرض لي فرصة عمل في الشركة التي كنت اعمل بها سابقاً. فقبلت العرض على الفور. بالرغم أن أن مستوى الوظيفة كان وضيع الا أنني تقدمت وحصلت على مستويات أرقى بالشركة. ولكنني اعطي كل الشكر لله الذي يفتح يده فيشبع كل حي رضى والذي يرفع الانسان. وبعد اقل من سنتين تركت الشركة التي كنت اعمل بها واقمت شركتي الخاصة بي مرة اخرى وها انا الان اعمل بها وكل اعتمادي على الله، بدونه لا معنى لأي نجاح.   فالله هو شريكي ومرشدي وان كل الاشياء منه وبه وله. فماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه!

عزيزي القارىء ما اود ان اقوله لك مهما كان لك من اموال ومهما كنت تحتل مناصب رفيعة اعلم ان هذا هبة من الله الذي يشرق ببره على الأبرار والأشرار. ولكن الله يتمهل علينا، ويريد أن يباركنا ليس فقط بركات أرضية، بل أيضاً ببركات روحية. لا المال ولا الجاه ولا أي ممتلكات تستطيع أن تفرح قلب الانسان. وكما قال القديس اغسطينس " يارب لقد خلقتنا لذاتك ونفوسنا لا تجد راحة الى فيك"

اريد أن اهمس في اذنك وأقول لك: إن ضاقت بك الايام وخسرت جميع اموالك وممتلكاتك، احثك ان توجه نظرك وقلبك الى الله لكي يرفعك لانه قد وعدنا بحياة افضل. اعطي مجدا وشكرا لرب السماء الذي يعطي الجميع بسخاء.

لقد تغيرت حياتي. لقد وجدت الاله المحب الذي يغير الانسان ويعطي حياةً افضل.